فصل: الوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومن مقتضى اسمه {الرحمن} انبثت جميع النعم، ولذا ذكر في هذه السورة أمهات النعم في الدارين.
ولما كان لا شيء من الرحمة أبلغ ولا أدل على القدرة من إيصال بعض صفات الخالق إلى المخلوق نوع إيصال ليتخلقوا به بحسب ما يمكنهم منه فيحصلوا على الحياة الأبدية والسعادة السرمدية قال: {علم القرآن} أي المرئي المشهود بالكتابة والمتلو المسموع الجامع لكل خير، الفارق بين كل لبس، وكان القياس يقتضي أن لا يعلم المسموع أحد لأنه صفة من صفاته، وصفاته في العظم كذاته، وذاته غيب محض، لأن الخلق أحقر من أن يحيطوا به علمًا، (وأين الثريا من يد المتناول) فدل تعليمه القرآن على أنه يقدر أن يعلم ما أراد من أراد {وعلم آدم الاسماء كلها} [البقرة: 31] ولا يخفى ما في تقديمه على جميع النعم من المناسبة لأن أجل النعم نعمة الدين التي تتبعها نعمة الدنيا والآخرة، وهو أعلى مراتب، فهو سنام الكتب السماوية وعمادها ومصداقها والعبار عليها، وفائدتها الإيصال إلى مقعد الصدق المتقدم لأنه بين ما يرضي الله ليعمل به وما يسخطه ليجتنب.
وقال الإمام جعفر بن الزبير: من المعلوم أن الكتاب العزيز وإن كانت آية كلها معجزة باهرة وسورة في جليل النظم وبديع التأليف قاطعة بالخصوم قاهرة، فبعضها أوضح من بعض في تبين إعجازها، وتظاهر بلاغتها وإيجازها: ألا ترى إلى تسارع الأفهام إلى الحصول على بلاغة آيات وسور من أول وهلة دون كبير تأمل كقوله تعالى: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي} [هود: 44] وقوله: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} [الحجر: 94]، الآيات، لا يتوقف في باهر إعجازها إلا من طبع الله على قلبه أو سد دونه باب الفهم بأنى له بر لوجه وقوعه، وسورة القمر من هذا النمط، ألا ترى اختصار القصص فيه مع حصول أطرافها وتوفية أغراضها، وما جرى مع كل قصة من الزجر والوعظ والتنبيه والإعذار، ولولا أني لم أقصد التعليق ما بنيته عليه من ترتيب السور لأوضحت ما أشرت إليه مما لم أسبق إليه، ولعل الله سبحانه ييسر ذلك فيما باليد من التفسير نفع الله به ويسر فيه، فلما انطوت هذه السورة على ما ذكرنا وبان فيها عظيم الرحمة في تكرر القصص وشفع العظات، وظهرت حجة الله على الخلق، وكان ذلك من أعظم ألطافه تعالى لمن يسره لتدبر القرآن ووفقه لفهمه واعتباره، أردف ذلك سبحانه بالتنبيه على هذه النعمة فقال تبارك وتعالى: {الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان} وخص من أسمائه الحسنى هذا الاسم إشعارًا برحمته بالكتاب وعظيم إحسانه به {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} [إبراهيم: 34] ثم قد تمهد أن سورة القمر إعذار ومن أين للعباد بجميل هذا اللطف وعظيم هذا الحلم حتى يرادوا إلى بسط الدلالات وإيضاح البينات إن تعذر إليهم زيادة في البلاغ، فأنبأ تعالى أن هذا رحمة فقال: {الرحمن علم القرآن} ثم إذا تأملت سورة القمر وجدت خطابها وإعذارها خاصًا ببني آدم بل بمشركي العرب منهم فقط، فاتبعت سورة القمر بسورة الرحمن تنبيهًا للثقلين وإعذارًا إليهم وتقريرًا للجنسين على ما أودع سبحانه في العالم من العجائب والبراهين الساطعة فتكرر فيها التقرير والتنبيه بقوله تعالى: {فبأيّ آلاء ربكما تكذبان} خطابًا للجنسين وإعذارًا للثقلين فبان اتصالها بسورة القمر أشد البيان- انتهى.
ولما كان كأنه قيل: كيف علمه وهو صفة من صفاته ولمن علمه، قال مستأنفًا أو معللًا: {خلق الإنسان} أي قدره وأوجده على هذا الشكل المعروف والتركيب الموصوف منفصلًا عن جميع الجمادات وأصله منها ثم عن سائر الناميات ثم عن غيره من الحيوانات، وجعله أصنافًا، وفصل بين كل قوم بلسانهم عمن عداهم وخلقه لهم دليل على خلقه لكل شيء موجود {إنا كل شيء خلقناه بقدر} [القمر: 49] والإنسان وإن كان اسم جنس لكن أحقهم بالإرادة بهذا أولهم وهو آدم عليه السلام، وإرادته- كما قال ابن عباس- رضى الله عنهما ـ- لا تمنع إرادة الجنس من حيث هو.
ولما كان كأنه قيل: فكان ماذا بخلقه، قال: {علمه البيان} وهو القوة الناطقة، وهي الإدراك للأمور الكلية والجزئية والحكم الحاضر والغائب بقياسه على الحاضرة تارة بالتوسم وأخرى بالحساب ومرة بالعيافة والزجر وطورًا بالنظر في الآفاق وغير ذلك من الأمور مع التمييز بين الحسن والقبيح وغير ذلك ما أدعه سبحانه وتعالى له مع تعبيره عما أدركه بما هو غائب في ضميره وإفهامه للغير تارة بالقول وتارة بالفعل نطقًا وكتابة وإشارة وغيرها، فصار بذلك ذا قدرة على الكمال في نفسه والتكميل لغيره، فهذا تعليم البيان الذي مكن من تعليم القرآن، وهذا وإن كان سبحانه جبلنا عليه وخلقناه به قد صار عندنا مألوفًا ومشهورًا معروفًا، فهو عند غيرنا على غير ذلك مما أوضحه لنا سبحانه نعمة علينا بمحاجته لملائكته الكرام عن نبينا آدم عليه الصلاة والسلام وما أبدى لهم من علمه وبهرهم من رسم كل شيء بمعناه واسمه. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{والحب ذا العصف والريحان} بالنصب فيهما: ابن عامر {والحب ذو العصف} بالرفع فيهما {والريحان} بالجر: حمزة وعلي وخلف. الباقون: برفع {الريحان} {يخرج} مجهولًا من الإخراج: أبو جعفر وناعف وأبو عمرو وسهل ويعقوب {اللؤلؤ} كنظائره {والجوار} ممالة: قتيبة ونصير وأبو عمرو وخلف طريق ابن عبدوس. {المنشآت} بكسر الشين. حمزة ويحيى طريق الصريعيني {سيفرغ} بالياء: حمزة وعلي وخلف. الباقون: بالنون على طريق الالتفات {أيه الثقلان} بضم الهاء مثل {أيه المؤمنون} [النور: 31] {يا أيها الساحر} [الزخرف: 49] {شواظ} بكسر الشين: ابن كثير ونحاس. بالجر: ابن كثير وأبو عمرو وسهل {لم يطمثهن} بضم الميم في إحداهما تخيرًا: علي. وروى أبو الحرث عنه في الأولى بالضم {من استبرق} بنقل حركة الهمزة إلى النون: رويس وورش والشموني وحمزة في الوقف {ذو الجلال} بالرفع: ابن عامر.

.الوقوف:

{الرحمن} o لا {القرآن} o ط {الإنسان} o {البيان} o {بحسبان} o ص لعطف الجملتين المتفقتين {يسجدان} o {الميزان} o لا لتعلق أن {الميزان} o {للأنام} o لا لأن الجملة بعدها حال {فاكهة} ص {الأكمام} o ص {والريحان} o ج لابتداء الاستفهام مع دخول فاء التعقيب، والوقف أجوز لأن الابتداء بالاستفهام مبالغة في التنبيه وكذلك في جميع السورة {تكذبان} o {كالفخار} o لا {نار} o ج {تكذبان} o {المغربين} o ج {تكذبان} o {يلتقيان} o لا لأن ما بعده حال من الضمير في {يلتقيان} {ولا يبغيان} o حال بعد حال {تكذبان} o {والمرجان} o ج {تكذبان} o {كالأعلام} o ج {تكذبان} o {فإن} o ج لعطف الجملتين المختلفتين والأولى الوصل لأن الكلام الأول يتم بالثاني. {والإكرام} o ج {تكذبان} o {والأرض} ط {شأن} o ج {تكذبان} o {الثقلان} o {تكذبان} o {فانفذوا} o ط {بسلطان} o ج {تكذبان} o {فلا تنتصران} o ج {تكذبان} o {كالدهان} o ج {تكذبان} o {ولاجان} o ج {تكذبان} o {والأقدام} o ج {تكذبان} o {المجرمون} o م لأنه لو وصل صار ما بعده حالًا من المجرمين وليس كذلك {آن} ج {تكذبان} o {جنتان} o ج {تكذبان} o لا لأن قوله: {ذواتا} صفة {أفنان} o ج {تكذبان} o {تجريان} o {تكذبان} o {زوجان} o {تكذبان} o ج لأن {متكئين} حال إلا أن الكلام قد تطاول {من إستبرق} ط {دان} o ج {تكذبان} o {الطرف} لا لأن {لم يطمثهن} حال عنهن {جان} o ج {تكذبان} o {والمرجان} o ج {تكذبان} o {إلا الإحسان} ج {تكذبان} o {جنتان} o {تكذبان} o {مدهامتان} o {تكذبان} o {نضاختان} o {تكذبان} o {ورمان} o ج {تكذبان} o ج {حسان} o {تكذبان} o {في الخيام} o ج {تكذبان} o {جان} o ج {تكذبان} o ج {حسان} o ج {تكذبان} o {والإكرام} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ القرآن (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)}.
اعلم أولًا أن مناسبة هذه السورة لما قبلها بوجهين أحدهما: أن الله تعالى افتتح السورة المتقدمة بذكر معجزة تدل على العزة والجبروت والهيبة وهو انشقاق القمر، فإن من يقدر على شق القمر يقدر على هد الجبال وقد الرجال، وافتتح هذه السورة بذكر معجزة تدل على الرحمة والرحموت وهو القرآن الكريم، فإن شفاء القلوب بالصفاء عن الذنوب ثانيهما: أنه تعالى ذكر في السورة المتقدمة: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر: 16] غير مرة، وذكر في السورة: {فَبِأَيّ ءَالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} [الرحمن: 13] مرة بعد مرة لما بينا أن تلك السورة سورة إظهار الهيبة، وهذه السورة سورة إظهار الرحمة، ثم إن أول هذه السورة مناسب لآخر ما قبلها حيث قال في آخر تلك السورة: {عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ} [القمر: 55]، والاقتدار إشارة إلى الهيبة والعظمة وقال ههنا: {الرحمن} أي عزيز شديد منتقم مقتدر بالنسبة إلى الكفار والفجار، رحمن منعم غافر للأبرار.
ثم في التفسير مسائل:
المسألة الأولى:
في لفظ {الرحمن} أبحاث، ولا يتبين بعضها إلا بعد البحث في كلمة الله فنقول:
المبحث الأول: من الناس من يقول: إن الله مع الألف واللام اسم علم لموجد الممكنات وعلى هذا فمنهم من قال: {الرحمن} أيضًا اسم علم له وتمسك بقوله تعالى: {قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن أَيّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسماء الحسنى} [الإسراء: 110] أي أيًا ما منهما، وجوز بعضهم قول القائل: يا الرحمن كما يجوز يا الله وتمسك بالآية وكل هذا ضعيف وبعضها أضعف من بعض، أما قوله: الله مع الألف واللام اسم علم ففيه بعض الضعف وذلك لأنه لو كان كذلك لكانت الهمزة فيه أصلية، فلا يجوز أن تجعل وصلية، وكان يجب أن يقال: خلق الله كما يقال: علم أحمد وفهم إسماعيل، بل الحق فيه أحد القولين: إما أن نقول: إله أو لاه اسم لموجد الممكنات اسم علم، ثم استعمل مع الألف واللام كما في الفضل والعباس والحسن والخليل، وعلى هذا فمن سمى غيره إلهًا فهو كمن يستعمل في مولود له فيقول لابنه محمد وأحمد وإن كان علمين لغيره قبله في أنه جائز لأن من سمى ابنه أحمد لم يكن له من الأمر المطاع ما يمنع الغير عن التسمية به ولم يكن له الاحتجار وأخذ الاسم لنفسه أو لولده بخلاف الملك المطاع إذا استأثر لنفسه اسمًا لا يستجرىء أحد ممن تحت ولايته ما دام له الملك أن يسمى ولده أو نفسه بذلك الاسم خصوصًا من يكون مملوكًا لا يمكنه أن يسمي نفسه باسم الملك ولا أن يسمي ولده به، والله تعالى ملك مطاع وكل من عداه تحت أمره فإذا استأثر لنفسه اسمًا لا يجوز للعبيد أن يتسموا بذلك الاسم، فمن يسمى فقد تعدى فالمشركون في التسمية متعدون، وفي المعنى ضالون وإما أن نقول: إله أو لاه اسم لمن يعبد والألف واللام للتعريف، ولما امتنع المعنى عن غير الله امتنع الاسم، فإن قيل: فلو سمى أحد ابنه به كان ينبغي أن يجوز؟ قلنا: لا يجوز لأنه يوهم أنه اسم موضوع لذلك الابن لمعنى لا لكونه علمًا، فإن قيل: تسمية الواحد بالكريم والودود جائزة قلنا: كل ما يكون حمله على العلم وعلى اسم لمعنى ملحوظ في اللفظ الذكرى لا يفضي إلى خلل يجوز ذلك فيه فيجوز تسمية الواحد بالكريم والودود ولا يجوز تسميته بالخالق، والقديم لأن على تقدير حمله على أنه علم غير ملحوظ فيه المعنى يجوز، وعلى تقدير حمله على أنه اسم لمعنى هو قائم به كالقدرة التي بها بقاء الخلق أو العدم، فلا يجوز لكن اسم المعبود من هذا القبيل فلا يجوز التسمية به، فأحد هذين القولين حق وقولهم مع الألف واللام علم ليس بحق، إذا عرفت البحث في الله فما يترتب عليه، وهو أن الرحمن اسم على أضعف منه، وتجويز يا الرحمن أضعف من الكل.
البحث الثاني: الله والرحمن في حق الله تعالى كالاسم الأول والوصف الغالب الذي يصير كالاسم بعد الاسم الأول كما في قولنا: عمر الفاروق، وعلى المرتضى وموسى الرضا، وغير ذلك مما نجده في أسماء الخلفاء وأوصافهم المعرفة لهم التي كانت لهم وصفًا وخرجت بكثرة الاستعمال عن الوصفية، حتى إن الشخص وإن لم يتصف به أو فارقه الوصف يقال له ذلك كالعلم فإذن للرحمن اختصاص بالله تعالى، كما أن لتلك الأوصاف اختصاصًا بأولئك غير أن في تلك الأسماء والأوصاف جاز الوضع لما بينا حيث استوى الناس في الاقتدار والعظمة، ولا يجوز في حق الله تعالى، فإن قيل: إن من الناس من أطلق لفظ الرحمن على اليمامي، نقول: هو كما أن من الناس من أطلق لفظ الإله على غير الله تعديًا وكفرًا، نظرًا إلى جوازه لغة وهو اعتقاد باطل.